فصل: كتاب الصيام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.كتاب الصيام:

قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] قال كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا والحبلى والمرضع إذا خافتا، يَعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا.
قلت: مذهب ابن عباس في هذا أن الرخصة مثبتة للحبلى والمرضع، وقد نسخت في الشيخ الذي يطيق الصوم فليس له أن يفطر ويفدي إلاّ أن الحامل والمرضع وإن كانت الرخصة قائمة لهما فإنه يلزمهما القضاء مع الإطعام، وإنما لزمهما الإطعام مع القضاء لأنهما يفطران من أجل غيرهما شفقة على الولد وإبقاء عليه، وإذا كان الشيخ يجب عليه الإطعام وهو أنه رخص له في الإفطار من أجل نفسه فقد عقل أن من ترخص فيه من أجل غيره أولى بالإطعام وهذا على مذهب الشافعي وأحمد. وقد روي ذلك أيضًا عن مجاهد.
فأما الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم فإنه يطعم ولا قضاء عليه لعجزه. وقد روي ذلك عن أنس وكان يفعل ذلك بعدما أسن وكبر، وهو قول أصحاب الرأي ومذهب الشافعي والأوزاعي. وقال الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي في الحبلى والمرضع تقضيان ولا تطعمان كالمريض، وكذلك روي عن الحسن وعطاء والنخعي والزهري. وقال مالك بن أنس في الحبلى هي كالمريض تقضي ولا تطعم، والمرضع تقضي وتطعم.

.ومن باب الشهر يكون تسعًا وعشرين:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو، يَعني ابن سعيد بن العاص عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّا أُمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنَس سليمان إصبعه في الثالثة، يَعني تسعا وعشرين».
قوله: «أمية» إنما قيل لمن لا يكتب ولا يقرأ أمي لأنه منسوب إلى أمة العرب وكانوا لا يكتبون ولا يقرؤون، ويقال إنما قيل له أمي على معنى أنه باق على الحال التي ولدته أمه لم يتعلم قراءة ولا كتابًا.
وقوله: «خنس إصبعه» أي أضجعها فأخرها عن مقام أخواتها، ويقال للرجل إذا كان مع أصحابه في مسير أو سفر فتخلف عنهم قد خنس عن أصحابه.
وقوله: «الشهر» هكذا يريد أن الشهر قد يكون هكذا أي تسعًا وعشرين وليس يريد أن كل شهر تسعة وعشرون، وإنما احتاج إلى بيان ما كان موهومًا أن يخفى عليهم لأن الشهر في العرف وغالب العادة ثلاثون فوجب أن يكون البيان فيه مصروفا إلى النادر دون المعروف منه. فلو أن رجلا حلف أو نذر أن يصوم شهرا بعينه فصامه فكان تسعا وعشرين كان بارا في يمينه ونذره ولو حلف ليصومن شهرا لا يعينه فعليه إتمام العدة ثلاثون يوما.
وفي الحديث مستدل لمن رأى الحكم بالإشارة وإعمال دلالة الإيماء كمن قال امرأتي طالق وأشار بأصابعه الثلاث فإنه يلزمه ثلاث تطليقات على الظاهر من الحال.
قال أبو داود: حدثنا سليمان حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له فكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعا وعشرين نظر له فإن رئي فذلك. وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قترة أصبح مفطرًا وإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائمًا. قال: وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب».
قوله: «غم عليكم» من قولك غممت الشيء إذا غطيته فهو مغموم. وقوله: «فاقدروا له» معناه التقدير له بإكمال العدد ثلاثين، يقال قدرت الشيء أقدره قدرا بمعنى قدرته تقديرا ومنه قوله تعالى: {فقدرنا فنعم القادرون} [المرسلات: 23].
وكان بعض أهل العلم يذهب في ذلك غير هذا المذهب ويتأوله على التقدير له بحساب سير القمر في المنازل والقول الأول أشبه ألا تراه يقول في رواية أخرى فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما. حدثناه جعفر بن نصير الخالدي حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا سليمان بن داود حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غُم عليكم فصوموا ثلاثين يوما».
وقد روي ذلك أيضًا من طريق ابن عمر أخبرنا محمد بن هاشم حدثنا الدبَري عن عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا له ثلاثين يوما».
قلت: وعلى هذا قول عامة أهل العلم ويؤكد ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الشك، وكان أحمد يقول إذا لم ير الهلال لتسع وعشرين من شعبان لعلة في السماء صام الناس وإن كان صحوًا لم يصوموا أتباعًا لمذهب ابن عمر.
وقوله: «وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب» يريد أنه كان يفعل هذا الصنيع في شهر شعبان احتياطا للصوم ولا يأخذ بهذا الحساب في شهر رمضان ولا يفطر إلاّ مع الناس، والقتَرة الغبرة في الهواء الحائلة بين الأبصار وبين رؤية الهلال.
قال أبو داود: حدثنا مسدد أن يزيد بن زريع حدثه، قال: حَدَّثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة».
قلت: اختلف الناس في تأويله على وجوه فقال بعضهم معناه أنهما لا يكونان ناقصين في الحكم وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب.
وقال بعضهم معناه إنهما لا يكادان يوجدان في سنة واحدة مجتمعين في النقصان فإن كان أحدهما تسعا وعشرين كان الآخر ثلاثين على الكمال.
قلت: وهذا القول لا يعتمد لأن دلالته تخلف إلاّ أن يحمل الأمر في ذلك على الغالب الأكثر. وقال بعضهم إنما أراد بهذا تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة وأنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان.

.ومن باب إذا أخطأ القوم الهلال:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد الله حدثنا حماد في حديث أيوب عن محمد بن المنكدر، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه «وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون».
معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلاّ بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض فلا شيء عليهم من وزر أو عتب. وكذلك هذا في الحج إذا أخطئوا يوم عرفة فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاهم كذلك؛ وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده ولو كلفوا إذا أخطئوا العدد أن يعيدوا أن يأمنوا أن يخطئوا ثانيا وأن لا يسلموا من الخطأ ثالثا ورابعا فإن ما كان سبيله الاجتهاد كان الخطأ غير مأمون فيه.

.ومن باب تقدم الشهر:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين وسعيد الجريري، عَن أبي العلاء عن مطرف عن عمران «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سَرَر شعبان شيئا قال لا قال فإذا أفطرت فصم يومًا، وقال أحدهما يومين».
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا حسين عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلاّ أن يكون شيء يصومه أحدكم».
قلت: هذان الحديثان متعارضان في الظاهر ووجه الجمع بينهما أن يكون الأول إنما هو شيء كان الرجل قد أوجبه على نفسه بنذره فأمره بالوفاء به أو كان ذلك عادة قد اعتادها في صيام أواخر الشهور فتركه لاستقبال الشهر فاستحب له صلى الله عليه وسلم أن يقضيه.
وأما المنهي عنه في حديث ابن عباس فهو أن يبتدئ المرء متبرعا به من غير إيجاب نذر ولا عادة قد تعودها فيما مضى والله أعلم.
وسرر الشهر آخره وفيه لغتان يقال سرر الشهر وسراره.
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن العلاء الزُبيدي من كتابه حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء، عَن أبي الأزهر المغيرة بن فروة قال قام معاوية في الناس بدير مسحل الذي على باب حمص فقال يا أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله قال فقام إليه مالك بن هبيرة فقال يا معاوية أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء من رأيك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوموا الشهر وسرَّه».
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال: قال الوليد سمعت أبا عمرو، يَعني الأوزاعي يقول سره أوله. قلت أنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطا في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة، والصحيح أن سره آخره هكذا حدثناه أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل حدثنا محمود بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعي قال سِره آخره وهذا هو الصواب. وفيه لغات يقال سر الشهر وسَرَرُ الشهر وسراره وسمي آخر الشهر سرا لاستسرار القمر فيه.
وأما قوله: «صوموا الشهر» فإن العرب تسمي الهلال الشهر تقول رأيت الشهر أي الهلال وأنشد ابن الأعرابي:
اَبْدانَ من نجد على مَهَل ** والشهر مثل قلامة الظفر

أي الهلال ولذا كان أول الشهر مأمورا بصيامه في قوله: «صوموا الشهر» فقد علم أن الأمر بصيام سره غير أوله.

.ومن باب إذا رُأى الهلال ببلد قبل آخر بليلة:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل، يَعني ابن جعفر أخبرني محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليله الجمعة ثم قدمت المدينة من الشام في آخر الشهر فسألني ابن عباس فقال متى رأيتم الهلال قلت رأيته ليلة الجمعة، قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس فصاموا وصام معاوية، فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت أفلا نكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: اختلف الناس في الهلال يستهله أهل بلد في ليلة ثم يستهله أهل بلد آخر في ليلة قبلها أو بعدها فذهب إلى ظاهر حديث ابن عباس القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعكرمة وهو مذهب إسحاق وقالوا لكل قوم رؤيتهم.
وقال ابن المنذر قال أكثر الفقهاء إذا ثبت بخبر الناس أن أهل بلد من البلدان قد رأوه قبلهم فعليهم قضاء ما أفطروه، وهو قول أصحاب الرأي ومالك، وإليه ذهب الشافعي وأحمد.

.ومن باب كراهة صوم يوم الشك:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير أخبرنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس، عَن أبي إسحاق عن صلة قال كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتى بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
قلت: اختلف الناس في معنى النهي عن صيام يوم الشك فقال قوم إنما نهى عن صيامه إذا نوى به أن يكون عن رمضان. فأما من نوى به صوم يوم من شعبان فهو جائز. هذا قول مالك بن أنس والأوزاعي وأصحاب الرأي، ورخص فيه على هذا الوجه أحمد وإسحاق.
وقالت طائفة لا يصام ذلك اليوم عن فرض ولا تطوع للنهي فيه وليقع الفصل بذلك بين شعبان ورمضان، هكذا قال عكرمة وروي معناه، عَن أبي هريرة وابن عباس.
وكانت عائشة وأسماء ابنتا أبي بكر رضي الله عنهم تصومان ذلك اليوم، وكانت عائشة تقول لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان. وكان مذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب صوم يوم الشك إذا كان من ليله في السماء سحاب أو قترة فإن كان صحوًا ولم ير الناس الهلال أفطر مع الناس وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي إن وافق يوم الشك يوما كان يصومه صامه وإلا لم يصمه وهو أن يكون من عادته أن يصوم صوم داود فإن وافق يوم صومه صامه وإن وافق يوم فطره لم يصمه.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتقدم أحدكم صوم رمضان بيوم ولا يومين إلاّ أن يكون صوما يصومه رجل فليصم ذلك اليوم».
قلت: معناه أن يكون قد اعتاد صوم الاثنين والخميس فيوافق صوم اليوم المعتاد فيصومه ولا يتعمد صومه إن لم تكن له عادة وهذا قريب من معنى الحديث الأول.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».
قلت: هذا حديث كان يذكره عبد الرحمن بن مهدي من حديث العلاء وروت أم سلمة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله ويصله برمضان ولم يكن يصوم من السنة شهرا تاما غيره».
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد قال قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه ثم قال اللهم إن هذا يحدث عن أبيه، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، فقال العلاء اللهم إن أبى حدثني، عَن أبي هريرة ويشبه أن يكون حديث العلاء أثبت على معنى كراهة صوم يوم الشك ليكون في ذلك اليوم مفطرا أو يكون استحب إجمام الصائم في بقية شعبان ليتقوى بذلك على صيام الفرض في شهر رمضان كما كره للحاج الصوم بعرفة ليتقوى بالإفطار على الدعاء.